Wednesday, July 16, 2008

خواطر في رحاب الإسراء



بقلم: فوزي منصور

لقد كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حدثًا يستحق التأمل والتفكير، خاصةً أن المسجد الأقصى (منتهى الإسراء) يقبع تحت نير الاحتلال الصهيوني، بل قد تعرَّض على مرِّ الأعوام والسنين لهجمات شرسة من قِبل الأعداء، ولكنَّ الله قيَّض له مَن يدافع عنه ويرد كيد المعتدين، وكلما هلَّت علينا هذه الذكرى العطرة وتحدَّث عنها الخطباءُ على المنابر سالت الدموع من أعيننا حنينًا وشوقًا إلى الأقصى الأسير.. وكل مسلم يسأل نفسه سؤالاً: متى سيتحرر هذا المسجد ويكتب الله لنا صلاةً فيه؟!الإسراء إلى الأقصى.. لماذا؟!يقول الله عز وجل في محكم آياته: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾ (الإسراء)، لقد كان من الممكن أن يكون المعراج من المسجد الحرام إلى السماء مباشرةً، ولكن أُسري بالنبي- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السموات العلى، وهذا الربط بين المسجدَين يدل على أهميتهما بالنسبة للمسلمين، وطالما بقِيَ هذان المسجدان في حوزة المسلمين عاش المسلمون في عزة، وإن فُقد أحدُهما أو كلاهما عاش المسلمون في ذُلٍّ وهوان وضعف، وأصبح الخطر يهدد حياةَ المسلمين في كل مكان، وهذا ما نراه اليوم من أحوال المسلمين؛ حيث المسجد الأقصى أسيرٌ في أيدي اليهود أبناء القردة والخنازير، والمسلمون لا حولَ لهم ولا قوة، ولكن لا بد أن نعلم علم اليقين أنه لن تعود عزتُنا إلا إذا عاد هذا المسجد إلى حظيرة المسلمين وتم تطهيره من رجس اليهود.من فضائل المسجد الأقصىكما أن للمسجد الأقصى فضائلَ كثيرةً جعلت له أهميةً كبرى عند المسلمين، فهو أولى القبلتين؛ حيث كان المسلمون الأوائل يتجهون في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى، كما أنه ثالث الحرمين، وإليه تُشد الرحال للصلاة فيه؛ حيث إن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة، وقد بارك الله عز وجل حوله؛ حيث قال تعالى: ﴿الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ كل هذه الفضائل التي جُمعت للمسجد الأقصى تجعلنا نُدرك أهميته، ولماذا كان الإسراء إليه ولم يكن لغيره؟! كما أنه يقع على عاتق كل مسلم فكّ أسْر هذا المسجد وإرجاعه إلى حوزة المسلمين، ولا عذرَ لمسلمٍ- مهما كان حاكمًا أو محكومًا- أن يتقاعس عن نصرة هذا المسجد وتحريره من أيدي المحتلين.إعلان وراثة الرسول لمقدسات الرسل قبلهلفتة أخرى نأخذها من الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهي إعلان وراثة الرسول صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وفي هذا يقول صاحب الظلال: "والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين (ص) وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا، وكأنما أُريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعًا، فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادًا وآفاقًا أوسع من الزمان والمكان، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى".عقيدة لا شك فيهالقد كان حدث الإسراء في جزءٍ من الليل، حيث يقول سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾، وفراش الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبرد حتى عاد إليه، وهذا الحدث يدل دلالةً قاطعةً لا شكَّ فيها على قدرة الله عز وجل الخارقة، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، وهذه عقيدة راسخة عند كل مسلم رسوخ الجبال لا تزعزعها الشبهات ولا تتنازعها الأهواء، وما دام هذا الأمر مُسلَّمًا به عند كل مُسلِم فلا بد أن يركن المسلم إلى هذه القوة الخارقة ويستندَ إليها ويحتميَ بها، وإن وقفَ العالمُ كله أمامه فهو قويٌ باعتصامه بالله.وفي ظل هذه الأيام الراهنة التي تجبَّرت فيها أمريكا- ومعها إسرائيل- وطغت وظلمت وقتلت الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين، وعاثت في الأرض كلها فسادًا لا حدود له، ولا أحد يقف أمامها رغبًا ورهبًا، في ظل هذه الظروف لا بد أن يركن المسلمون إلى ركن شديد، وإلى قوة أكبر وأعظم من قوة أمريكا، ومَن أعظم من الله قوة؟!!ومع وجود هذه العقيدة عند المسلمين، إلا أننا ما زلنا نرى عند البعض خللاً في عقيدته، فيقول نحن لا نستطيع الوقوف أمام أمريكا فهي أقوى منا، وعندها من الأسلحة أكثر مما عندها، ونسي هؤلاء المساكين أن المسلمَ قوي بالله ضعيفٌ بغيره، عزيزٌ به سبحانه ذليلٌ بغيره.. قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: من الآية 139).. ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 101).وأخيرًا.. هذه بعض الخواطر واللفتات التي دارت بعقلي في رحاب الإسراء، وما زال هناك الكثير والكثير من الدلائل والعبر والعظات حول معجزة الإسراء، ولكن نريد أن نأخذ هذه الدلائل والعبر بعين الاعتبار ونعمل بها؛ حتى يتغير حالنا إلى أحسن حال.أسأل الله العلي القدير أن تأتي علينا هذه الذكرى وقد تحرر المسجد الأقصى وكل شبر للمسلمين، وقد عادت لنا عزتنا وقوتنا، وأصبح للمسلمين دولةٌ يُخشى بأسها.. يهابها كل ظالم، تُقيم الحقَّ وتقوم على العدلِ وتنشر الخيرَ في ربوع المعمورة.. اللهم آمين.